في نهاية الأسبوع الماضي، أعلن مصرف لبنان عن مؤتمر صحافي سيعقده حاكم البنك المركزي رياض سلامة ظهر اليوم في المقرّ الرئيسي، يتناول فيه “موقف مصرف لبنان من الأمور المتعلّقة بالخدمات المصرفية قبل استئناف عمل المصارف طبيعياً يوم الثلاثاء”.
تأتي هذه الدعوة في قلب أزمة مالية واقتصادية خطيرة يعاني منها لبنان، وتطال المجتمع وتهدّد بتبدّده. وفيما كان يفترض أن تكون مفتوحة لكلّ الصحافيين والصحافيات، وأن يتخلّلها حوار شفّاف وعلني حول كلّ الآليات والإجراءات المصرفية المتبعة أخيراً، والتي توثّر على تفاصيل الحياة اليومية للمقيمين والمقيمات في لبنان، يتبيّن أن البنك المركزي اختار من يروق له، ربّما، من صحافيين وصحافيات ليحاوروه في مؤتمره المذكور، بحيث حصرت الدعوات بعددٍ غير معروف وغير معلوم منهم ومنهن.
الأزمة والقلق من تداعياتها سبقا الثورة بأشهر، بدءاً من تغيّر سعر صرف الليرة في الأسواق ولدى الصرّافين، وصولاً إلى سلسلة من الإجراءات المصرفية غير المنظّمة وغير المُعلنة التي تقيّد التحويل والسحب بالدولار من المصارف و/ أو عبر أجهزة السحب الآلي، بحيث طالت شريحة كبيرة من الناس، فيما بقيت شريحة أقلوية بمنأى عنها، فكانت تسحب الأموال بسهولة وتحوّلها من الليرة إلى الدولار، وأكثر من ذلك تخرجها من البلاد.
هذه الإجراءات غير المُعلنة وغير المُنظّمة سبقت الثورة المستمرّة منذ 26 يوماً، وعلى مدار أشهر لم يخرج حاكم البنك المركزي ليفسّر الدوافع وراءها وتداعياتها، سوى مرّة واحدة على هامش مؤتمر صحافي عقده مع وزير الصناعة، حيث أصرّ على أن “الدولار متوافر في المصارف”، وأن “وسائل التواصل تضخّم الأمور والتهويل الحاصل هو إعلامي”. وبعد انطلاق الثورة في 17 أكتوبر الماضي، شهدت البلاد إقفالات مُتتالية وغير مبرّرة في المصارف، لحقها غموض أكبر عند إعادة فتح المصارف أبوابها، ومشكلات تكرّرت في كلّ المصارف وفروعها حيث منع الكثيرون من الحصول على جزء من أموالهم أو تحويلها، بالتوازي مع رفض كثير من المصارف التعامل بالليرة والإصرار على القبض بالدولار. وفي أثناء ذلك كلّه، بقي حاكم البنك المركزي غائباً عن الناس، تماماً كما القرارات الواضحة من مصرف لبنان حول الأزمة وكيفية معالجتها، فيما الأزمة تشتدّ حدّة.
اليوم، قرّر حاكم البنك المركزي أن يواجه الناس، إلّا أنه اختار التوجّه إليهم بمؤتمر صحافي، الحضور فيه استنسابي، وفقاً لما يريحه أو يناسب تصوّره للمؤتمر الصحافي الناجح، ربّما.
نحن في تجمّع “نقابة الصحافة البديلة” نشدّد على أن المقرّات العامّة هي مقرّات مفتوحة لكلّ المواطنين والمواطنات في لبنان وليس ملكاً للموكلين والمعينين لإدارتها. وأن من حقّ كلّ الصحافيين والصحافيات، وتحديداً المتخصّصين والمتخصّصات في الشأن الاقتصادي حضور المؤتمر، والاستماع لما سيقوله حاكم البنك المركزي، وطرح الأسئلة، واستيضاح الطرح (إذا قدم طرحاً ما)، ومناقشة المضمون.
هذا مؤتمر صحافي في بلد يغلي بثورة ضدّ نموذج اقتصادي ينهار على رؤوس الناس، بدلاً من رؤوس القلّة التي استفادت منه. أمّا البنك المركزي فهو لطالما شكّل دعّامة أساسية لهذا النموذج عبر كلّ هندساته المالية التي لم تتوقّف يوماً حتى في “عزّ الأزمة” وبالتالي هو أحد الأطراف الرئيسة التي يجب مساءلتها عمّا جرى وما سيجري.
قد لا يروق للحاكم أداء بعض الصحافيين والصحافيات، وهذا أمر صحّي في أي بلد يحترم حرّية الصحافة، إلّا أن المُقلق هو عجزه عن بناء حوار معهم ومعهن.
يحق لأي صحافي وصحافية أن يحضر أي مؤتمر صحافي يعقد في البلاد، بلا استنسابية أو فوقية من قبل الجهة الداعية. هكذا تكون المؤتمرات الصحافية، وهكذا تكون المسؤولية العامّة.
وإلّا فلتكن مقابلة تلفزيونية، وحبّذا لو تأتي باللغة العربية.