في ظلّ جائحة عالمية وأزمة اقتصادية محليّة، وجدت السلطة اللبنانية سبيلاً جديداً لوضع يدها على ملفّ الإعلام الإلكتروني، عبر عدّة سياقات كان بينها “نقاش” إن كان الإعلام الرقمي صحافةً أم لا (!)، وصولاً إلى السعي الخطير لتشكيل نقابةٍ للقطاع بمبادرة من السلطات و”زلمها”، لا أصحاب المصلحة في القطاع.
يبدو أنه في ظل السيطرة على أشكال الإعلام التقليدي عبر النقابات المصادرة والتمويل السياسي، حان موعد الانقضاض على الإعلام الإلكتروني. فقد سرّعت أزمة كورونا عملية استعادة وسائل الاعلام التقليدية لمواقعها المعتادة في الترويج لخطاب السلطات وأصحاب المال والتطبيل لهم ولإجراءاتهم غير القانونية، لا سيّما المصرفيّة منها. في المقابل، برز الاعلام الإلكتروني كبديل جدّي منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول، وبرزت منصات بمحتوى نقدي ومبتكر يتحدّى الخطاب الرسمي، ويكرّس مبدأ الصحافة الحقيقية والحرة. لذلك، حان موعد وضع اليد السلطوية عليه، بأكثر الطرق عشوائية وتحت جنح كورونا.
تُستشفّ من النقاشات المستجدّة علامات صدام واضح بين أكثر من هيئة تابعة للسلطة، وجوه العملة الواحدة: المجلس الوطني للإعلام ونقابتَي الصحافة والمحرّرين، حول مَن سيستأثر بـ”الوصاية” على ملف الإعلام الإلكتروني الذي يعمل حالياً من دون تنظيم قانوني مواكبٍ لتطوّره. وبدلاً من مقاربة الملف بالجدية التي استحقها في مختلف أنحاء العالم وبالشراكة مع أصحاب القضية، دعا المجلس الوطني للإعلام إلى استصدار بطاقات للصحافيين/ات العاملين/ات في المواقع الإلكترونية تخوّلهم التنقّل وتغطية الأحداث… ثم بنى المجلس على هذه الدعوة ليطالب بتنظيم المواقع الإلكترونية ومراقبتها!
يهمّ تجمّع “#نقابة_الصحافة_البديلة” أن يلفت الى الدور الخطير الذي يؤديه المجلس الوطني للإعلام في إحلال السيطرة على الإعلام، مثل الإيعاز للأمن العام ملاحقة إذاعة بحجة أنها غير مرخصة، وتطبيع الرقابة على الإعلاميين/ات، واقتراح نظم لا تستند إلى معرفة تقنية ومعلوماتية كافية ولا ترتقي إلى معايير مهنية رفيعة. وهو مجلس منتهي الصلاحية ولم يتغيّر منذ تأسيسه بنيةً أو قيادةً، كما أنّه يحمل صفة استشارية لا تقريرية، علماً أن هذا المجلس أدى أدوراً رقابيةً على الإعلام في أكثر من مناسبة كان فيها نصيرًا للأحزاب السياسية والهيئات الطائفية في البلد، لا نصيرًا لحرية الإعلام والتعبير. وهذا ما يجعله حكماً مجلسًا تابعًا للسلطة وليس جسمًا مخّولاً تطوير الإعلام قانونياً ومهنياً، وحتماً ليس المرجعية الضامنة لحرية التعبير وحرية الإعلام.
أما لجنة الإعلام الإلكتروني الموقتة التي شكّلت نفسها واجتمعت مع المجلس أخيراً، فهي هيئة تطرح الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا لمن يتابع منشورات مواقع بعض أعضائها إن كان لجهة اللغة التحريضية غير المهنية التي تشوب الكثير ممّا تنشر، أو لجهة الاستتباع السياسي الطائفي المباشر لأحد أو كل أحزاب السلطة في لبنان.
يؤكد تجمّع “نقابة الصحافة البديلة” رفضه للمسار السلطوي المعتاد الذي تسلكه نقاشات تنظيم المواقع الإلكترونية الحاصلة بين طرفين يجسّدان عمليًّا مصلحة طرف أو أكثر في السلطة، وليس مسارًا يفضي إلى تطوير العمل الإعلامي الإلكتروني وحقوق العاملين/ات فيه.
كما نؤكد أن أي نقابة إعلاميّة جديدة لا تمثّل العاملين في القطاع، لا ترفع صوتهم المطلبي، ولا تحمي عملهم من بطش السلطة والمؤسسات، هي تتمة للمنحى الفاسد في إدارة البلد وصحافته ورأيه العام، ما أوصلنا إلى حالة الانهيار الراهنة.
إنّ النقابة الحقيقية التي نريدها لكافة أشكال الصحافة في لبنان هي النقابة التي تحمي الصحافة والمجتمع والعدالة من هذا النظام، لا العكس.