تكاد الانتخابات العامة، سواء كانت نيابيّةً أو بلديةً أو اختياريّةً، تكون أحد المظاهر القليلة، وربما النادرة، الباقية للديمقراطية في لبنان حيث تنهار فيه مقومات الدولة وحقوق المشاركة السياسية تباعاً. وإذا كان صحيحاً أن الانتخابات ليست غاية بذاتها، إلا أنها، ومن دون أدنى شك، الوسيلة الأساس لتحقيق الوكالة الشعبية، حيث تنبثق السلطة من الشعب الذي هو مصدر السلطات حسب الدستور، وهو الذي يمنحها ثقته، وبالتالي شرعيتها، أو يحجبها عنها. فكيف تُتاح الفرصة للمواطنين لمحاسبة السلطة، وبالتالي كيف يمكن إتاحة فرصة حقيقية وسلميّة لتداول السلطة، ولتبادل الافكار والمشاريع والسياسات الجديدة، من دون انتخابات دوريّةِ، تُنتج مجلساً نيابياً مُعبّراً عن إرادة الأمّة، ومجالس محليّةً يجد فيها أهالي المدن والبلدات والقرى مُتنفساً لهم في ظل هذا الاختناق الذي لا ينفكُّ يزدادُ يوماً بعد آخر؟
لكن في لبنان، حيث يتّسم أداء السلطة بالتراخي وعدم الجدية في التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية، تصبح كلّ البديهيات السابقة مجرد حبر على ورق. ففي الوقت الذي تضمن البيان الوزاري لحكومة “معًا للإنقاذ” التزامًا بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية في موعدها، رأيناها تطالب بتأجيل الاستحقاق الانتخابي البلدي سنة كاملة، لا بل تتهرب من القيام بواجباتها وتضعه في عهدة مجلس النواب، وهي نفسها أيضًا، أي حكومة معًا للانقاذ، وقبل أقل من شهرين على الموعد المحدد لإجراء الانتخابات النيابية في 15 أيّار 2022، نراها تتلكأ في اتخاذ الخطوات الجدية والفعالة الضامنة لإجراء هذا الاستحقاق، أو، على الأقل، عدم تفريغه من مضمونه.
إنّ دورية الانتخابات، أي إجراؤها في مواعيدها الدستورية، ليست مسألة ترف أو اختيار، ولا يجوز التعاطي معها بهذا الاستخفاف، ولا يجوز أبدا أن تمنح السلطة السياسية لنفسها، عند كل استحقاق انتخابي، أي استحقاق كان، حقّ تقييم ما إذا كانت الظروف ملائمة لإجراء الانتخابات أو تأجيلها لتتصرف بناءً على ذلك، وكأن هذه الظروف تتأمن لوحدها من دون جهد من الوزارات المعنية بذلك. والظروف التي منعت إجراء الانتخابات البلدية التي لم نعرفها حتى الساعة ما الذي يضمن حلها السنة القادمة؟ إنّ الالتزام بمواعيد الانتخابات، بمختلف أشكالها، هو واجب أخلاقي وقانوني، وهو أحد أهم المعايير التي تحدّد ما إذا كنّا نعيش ضمن جمهورية ديمقراطية دستورية، أم إذا أصبحنا واقعين تحت نظام ديكتاتوري مقنّع.
نعلن اليوم، نحن المجتمعين والموقعين على البيان، أننا نرفض التمديد للمجالس المحلية، كما نرفض التهميش في حق البلدات والبلديات ودورها اللامركزي في تأمين وتسهيل عمل وحياة الساكنين في القرى. ولذلك نطالب الحكومة بالتراجع عن قرارها بتأجيل الانتخابات البلدية، ونطالب المجلس النيابي بعدم القبول بهذا التأجيل. كما نتخوف من أن السلطة السياسية نفسها، التي ناقضت مضمون البيان الوزاري وبادرت لتأجيل الانتخابات البلدية، لا وازع قد يمنعها، وبالاتفاق بين مختلف مكوّناتها، من أن تحذو الحذو نفسه لتأجيل الانتخابات النيابية تحت مسميات وذرائع عدة منها الأمني أو المالي كعدم صرف الاعتمادات اللازمة لتنظيم العملية الانتخابية، وأيضًا صرف الاعتماد الكافي والمخصص لهيئة الإشراف على الانتخابات كي تباشر فورًا بالعمل على رصد المخالفات ومراقبة الإعلام والإعلان الانتخابيين، بالإضافة إلى مراقبة الإنفاق الانتخابي (في حين أن الحملات الانتخابية قد بدأت رسميًا منذ تاريخ فتح باب الترشح، أي في 10 كانون الثاني 2022).
لمّا كنّا قد ناشدنا وطالبنا وكررنا ضرورة العمل الجدي لمعالجة الإشكاليات والعوائق التي تعتري مسار الانتخابات، بالإضافة إلى المطالبة بضرورة الالتفات إلى عامل الوقت، نعود ونشدّد اليوم على أننا لا نرى أي سبب أو ظرف قاهر يمكن التذرع به لتطيير الاستحقاق الانتخابي تحت أي مسمّى؛ تقني، سياسي، مالي، أمني، أو غيره.
إن لجوء السلطة إلى تمديد الوكالة الشعبية ما هو إلا مصادرةً للإرادة الشعبيّة، خلافاً للدستور اللبناني والمبادئ القانونيّة ومواثيق وإعلانات حقوق الإنسان الدوليّة، وقيم ومبادئ الديمقراطيّة، ما يضع هكذا إجراءٍ في دائرة اللاشرعيّة التي سوف تنسحب على صفة السلطة المْمدّد لها، ليطال كل ما يصدر عنها. من حقّ الناس الدستوري والقانوني أن يقترعوا لاختيار ممثليهم ومحاسبتهم، ومن واجب السلطة والإدارة الانتخابية العمل لتنظيم الانتخابات واحترام مسارها.
الثلاثاء 22 آذار 2022
الموقعون:
- الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات
- الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية
- الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا
- مؤسسة مهارات
- مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقية
- التجمع النسائي الديموقراطي
- اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة
- تيار المجتمع المدني
- منظمة كفى عنف واستغلال
- مركز سمير قصير للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية
- تجمع نقابة الصحافة البديلة
- نواة للمبادرات القانونية
- جمعية الحركة الاجتماعية
- لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان
- تجمع نقابة الصحافة البديلة
- المركز اللبناني للدراسات
- صدى البقاع
- جمعية الرباط الإنمائية
- المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم
- غربال
- مركز التدريب النقابي
- جمعية التنمية للإنسان والبيئة (DPNA)
- الحركة البيئية اللبنانية
- مدنيات Madanyat
- Ondes
- جمعية شمل
- لجنة حقوق المرأة اللبنانية
- جمعية نحن Nahnoo
- جمعية ميدال
- فيفتي فيفتي Fifty Fifty