منذ أكثر من شهر، تتمركز مجموعة من الصحافيين في حاصبيا، جنوبي لبنان، بعد دعوات إسرائيلية لإخلاء مرجعيون، النقطة التي كانوا يغطون الأوضاع في جنوب لبنان منها. ظهر المراسلون في تغطيات حيّة من تلك النقطة مئات المرات منذ ذلك الحين. لبسوا الدرع والخوذة وتأكدوا من أن تكون سياراتهم مميزة بعبارة Press.
فجر يوم الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وبينما كان حوالي 18 صحافياً من أكثر من 10 وسائل إعلامية مختلفة، محلية وعربية، ينامون كي ينالوا قسطاً من الراحة بعد أيام تغطيةٍ طويلة، أسقطت إسرائيل الغرف التي استأجروها ليحرسوا الجنوب ويوصلوا صوته، فوق رؤوسهم، فقتلت ثلاثةً منهم، وأصابت زميلاً بجروح بالغة، وخمسة آخرين برضوض وجروح طفيفة.
يجب أن تكون هذه الأسطر كفيلةً بأن تقيم الدنيا ولا تقعدها. أن تحرّك المجتمع المحلي والعربي والدولي ليس فقط للإدانة، بل للضغط والتحرك نحو المحاسبة.
لكنّ العدو الإسرائيلي الذي لا يكفّ عن استهداف عبارة “صحافة”، يُفلت من العقاب في جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين، المحميين في القانون الدولي كسائر المدنيين. لا رادع له ولا كابح لجموحه الذي يدفع بسببه وبسبب إجرامه، الشعبين الفلسطيني واللبناني، الدم ثمناً يومياً.
اليوم، قتل العدو الإسرائيلي الزميل المصور في قناة “المنار” وسام قاسم، والزميل المصور في “الميادين” غسان نجار، كما قتل الزميل تقني البث محمد رضا.
واليوم أيضاً، أصاب العدو الإسرائيلي الزميل المصور حسن حطيط من شركة Isol (لصالح القاهرة الإخبارية) بكسور، كما أصاب الزملاء الآخرين برضوض وجروح، وهم زكريا فاضل، مساعد المصور في Isol (لصالح القاهرة الإخبارية) علي مرتضى المصور في “الجزيرة”، أحمد سنجاب مراسل “القاهرة اليوم”، محمد فرحات مراسل “الجديد”، يمنه فواز مراسلة “إم تي في”، بالإضافة إلى الزملاء الآخرين المتواجدين في المكان، والذين نجوا جسدياً.
جرحنا المفتوح منذ أن قتلت إسرائيل عصام عبدالله وفرح عمر وربيع المعماري العام الماضي، ينزف بشدّة اليوم. ينزف مع كل قطرة دم لزملاء لم يرتكبوا إلا واجبهم المهني برفع الصوت بوجه الارتكابات الوحشية الإسرائيلية.
ينزف جرحنا ويثقل كاهلنا وتدمع أعيننا وتحرق قلوبنا على خسارات لزملاء لم يكن يجب أن تحصل، وما كانت لتحصل لولا الصمت العالمي المدوي في وجه الوحشية بحق الصحافيين من غزة مروراً بالضفة وصولاً إلى لبنان.
وفيما نلملم أنفسنا، نبقى على العهد، بألا ندع المجرم يفلت من العقاب، وبأن نلاحقه ونكشف جرائمه حتى الرمق الأخير.
لذلك، فإننا في تجمع نقابة الصحافة البديلة، نجمع الأدلة مرة جديدة، ونوثق جرائم الحرب مرة أخرى، وندعو لمساندتنا ومساعدة الجسم الصحافي في رفع قضايا زملائنا إلى المحاكم الدولية، وعدم السماح بتبرير الجرائم بحق زملائنا، أو تكرارها.
منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم، فقدنا 11 صحافياً وعاملاً إعلامياً، 6 منهم باستهدافات مباشرة أمام مرأى العالم وفي ظل صمته. وفاءً لهم، يجب أن تتضافر جميع الجهود لمحاسبة المرتكبين وفضحهم ومنع تكرار هذه الجرائم مجدداً.
الرحمة والخلود للشهداء، الشفاء للجرحى، والعدالة للصحافيين.