وسط الحرب الإسرائيلية على لبنان، نشهد في الداخل أيضاً تصاعد معارك الإلغاء والتخوين والتحريض المتبادلة، ومعارك السرديات المزدوجة وخطاب الكراهية وتكميم الأفواه، التي تعتمدها أطرافٌ سياسية ويرضى بعض الإعلام للأسف أن يكون مسرحاً لها إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي.
إننا في تجمع نقابة الصحافة البديلة نرفض هذه الاصطفافات الحادّة وحرب السرديات التي تخوّن كلّ آخر وتتهمه بالعمالة رافضةً أي اختلاف، حيث تتبدّل جهة الاتهام بحسب السردية، في محاولة لمحاصرة الآراء المعتدلة والأصوات الحرة التي يكون أول ضحاياها الإعلاميون والإعلاميات.
إن الحرب المفتوحة التي يمرّ بها لبنان وسط صمت العالم، تزيدها حرب السرديات هذه صعوبةً، حيث بتنا نسجّل يومياً وفي مختلف المناطق اللبنانية اعتداءات ضدّ الإعلاميين تراوح أدواتها بين المنع والقمع والحملات الإلكترونية والضرب والتهديد بالسلاح والخطف والتوقيف وحتى إطلاق النار.
إننا نرفع الصوت لنحذّر من أن مهنة الإعلام باتت مهنة خطرة في لبنان. والخطر يأتي من الإجرام الإسرائيلي والاعتداءات الميدانية والتهديدات ومن انعدام مسؤولية عدد من المؤسسات الإعلامية في الحفاظ على سلامة فرقها. وفي ظل ضعف مؤسسات الدولة، باتت ممارسة المهنة على الأرض خطراً بحدّ ذاتها، في حين أن تهمة العمالة جاهزة للصقها بكل صحافي أو صحافية، حتى إثبات العكس.. أو حتى تبني إحدى السرديات المتصارعة.
نحن المنضوون في تجمع نقابة الصحافة البديلة، منذ تأسيسه خلال ثورة 17 تشرين، بعد أن اجتزنا امتحانات القمع في الطرقات والتوقيفات الاحتياطية خلال الثورة وإصابة زملاء لنا في انفجار مرفأ بيروت وتدمير مكاتبهم وتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية علينا، لن نقف عند امتحانات التخوين وصكوك الوطنية التي يوزّعها كلّ طرف على حسابه وهواه، ونتمنى أن نجتاز كذلك امتحان تدمير القرى والأحياء والذاكرة المشتركة ومباني عدد من الوسائل الإعلامية، كما نعاهد رفاقنا وزملاءنا ممن استشهدوا أو أصيبوا أننا سنحاول الاستمرار ومتابعة المهمّة.
إننا نتمسّك بمهنتنا التي استشهد في سبيلها زملاء وزميلات أعزاء لنا، ونتمسّك بحقنا في ممارسة عملنا الصحافي بحريّة كاملة ونرفض زجّنا في صفوف المتحاربين وسرديّاتهم.
وسط حرب السرديات هذه، نعلن في تجمع نقابة الصحافة البديلة أننا:
نقف إلى جانب المعايير المهنية والأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية والوطنية. ونرفض خطاب التخوين والتحريض والكراهية وفبركة وتسويق ونشر الأخبار الكاذبة. ونرفض التسابق على الخبر والصورة على حساب مشاعر الناس وكرامتهم وأمنهم.
نقف إلى جانب حرية العمل الإعلامي. حرية التغطية من دون قمع أو منع أو فرض. حرية توثيق جرائم الاحتلال ونقل صوت الضحايا إلى العالم ومن أجل البقاء على مسافة نقدية من الأحداث والأخبار.
نقف إلى جانب الحقوق المكفولة في الدستور اللبناني وفي القوانين الدولية. أي حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها المشروع بمقاومة كل احتلال.
نقف إلى جانب سيادة الدولة اللبنانية. وإلى جانب دور مؤسساتها في حماية الحقوق لا قمعها، ومسؤوليتها في الدفاع عن الأضعف لا الاستبداد للحفاظ على مصالح وفساد الأقوى.
نعلن في تجمع نقابة الصحافة البديلة، أننا مجموعة من العاملين والعاملات في مجال الإعلام، نقف متضامنين ومتكافلين إلى جانب كل زميل وزميلة من أي مؤسسة إعلامية:
- بوجه مؤسساتهم التي لا تسأل عن تعريضهم للخطر نتيجة خطابها التحريضي، والتي لا تؤمِّن أبسط حقوقهم ووسائل حمايتهم وهمّها الوحيد السبق الصحافي.
- بوجه القمع المتصاعد في الأزقة والشوارع والاعتداءات المتكررة ومحاولات المنع والقمع في ظل ضعف الدولة ومؤسساتها لصالح قوى الأمر الواقع وبقايا ميليشيات الحرب اللبنانية.
- بوجه من يقاوم العدو الإسرائيلي ولا يعترف في الداخل، لأبناء بلده، بحق التعبير وحق الصحافيين في الوصول إلى المعلومة وفي نقل الحدث بغض النظر عن الخط السياسي للمؤسسات التي يعملون بها، وهو ما يشي باستمرار سياسة القوّة التي اعتقدنا أنه قد آن أوان التخلّي عنها وفتح الباب أمام صفحة جديدة، تؤمّن تضامن اللبنانيين مع بعضهم البعض.
- بوجه آلة القتل الإسرائيلية التي لا تتوانى عن ارتكاب جرائم الحرب وقتل الصحافيين وتصفيتهم في سعيها إلى فرض سرديتها على الرأي العام العالمي.
بوجه كلّ من وما سبق، نقف إلى جانب زملائنا وزميلاتنا من أجل احترام حقوقهم وتأمين سلامتهم وتحقيق العدالة والمحاسبة والحد من إفلات القتلة والمعتدين من العقاب.