تتالت في الآونة الأخيرة أخبار صرف عمال في مجال الإعلام بشكل تعسّفي، فلم يمرّ شهران بعد على إعلان إقفال جريدة “نداء الوطن” وصرف كلّ العاملين فيها من دون إنذار ولا اعتبار لحقوقهم الوظيفية، حتى وصلنا خبر صرف عدد من الموظفين القدامى من المؤسّسة اللبنانية للإرسال بعضهم قبل فترة قصيرة من بلوغهم سنّ التقاعد. وفي الحالتين، رصدنا نمطاً مقلقاً مشتركاً بينهما وأيضًا مع مؤسسات إعلامية أخرى من أبرز سماته:
أوّلاً: استبدال العقود الوظيفية بعقود “عمل حر” مقابل شروط العمل نفسها أي الدوام اليومي والأجر الثابت وغيره، في استغلال واضح للظروف الاقتصادية السيئة التي تجعل الموظف أو الموظفة يقبل بوضع غير مؤات له بدلاً من خسارة وظيفته وبالتالي مدخوله الثابت، وفي التفاف أيضًا على قانون العمل عبر اعتماد أسلوب التوظيف المقنّع.
ثانياً: الصرف من العمل بحجّة الظروف الاقتصادية من دون إنذار سابق للموظفين ومن دون إبلاغ وزارة العمل أو التاور معها حول آلية الصرف، ما يعتبر مخالفة للقانون ويعطي لعملية الصرف سمة الصرف التعسّفي.
ثالثاً: التحكّم بقيمة التعويضات المستحقّة للموظفين والتلاعب بها بما يناسب المؤسسة ويحرم الموظفة من حقهما في تعويض عادل، عبر استغلال أزمة انهيار العملة وفرق سعر صرف الدولار.
إزاء هذا الواقع، تتقاعس السلطات المعنيّة عن القيام بواجبها لحماية حقوق العمال، وتصمّ آذانها عن مطالب مفوّضي الحكومة لدى مجالس العمل التحكيمية المضربين منذ نيسان 2023، بتحسين بدلات حضور الجلسات. وبالتالي فإنّ عمل هذه المجالس معطّل حاليًا وهي سمة مستمرّة منذ أكثر من أربع سنوات نتيجة سلسلة إضرابات تلت أيضاً التعبئة العامة في ظلّ تفشّي وباء كورونا.
وقد تحوّلت مجال العمل التحكيمية إلى مقبرة لدعاوى العمال، فحتى قبل الإضرابات وتعطّل المجالس، كان طول أمد الدعاوى ومصاريفها، من ضمن جملة أسباب تثبط عزيمة العمّال عن الاستمرار في الدعاوى والرضوخ لعروض أصحاب العمل التي غالباً ما تكون مذلّة. وأدى طول أمد الدعاوى التي رفعهما موظفون في مؤسسات إعلامية قبل سنوات إلى تراجع قيمة التعويضات التي تستحق لهم نتيجة تدهور قيمة الليرة.
وهنا، يذكّر تجمّع نقابة الصحافة البديلة الزملاء والزميلات، بأنّه جاهز لتقديم أي استشارة قانونية وللتدخّل قضائيًا لحماية حقوقهم. ويطالب السلطات المعنيّة بتلبية مطالب مفوّضي الحكومة لإعادة تفعيل مجالس العمل التحكيمية، كي لا يعتبر تقاعسها عن ذلك تواطؤاً مع أصحاب العمل في وجه العمّال خلال واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي تمرّ على لبنان والتي دفعت عدداً قياسياً من المؤسسات إلى صرف عمّال وموظفين لديها.